يمكن للتحليلات التنبؤية أنّ تساعد مؤسستك على وضع التكهنات (التوقعات) المستقبلية بالاعتماد على البيانات التاريخية وطرائق التحليلات، مثل: التعلّم التلقائي (الآلي) والذكاء الاصطناعي. لكن السؤال، هو ما الذي يدفع إلى الاعتماد المتزايد على أدوات التحليل التنبؤية في منطقة الشرق الأوسط؟ يتبادل خبراء هذا المجال، الرؤى مع رئيس قسم المعلومات الذكية في الشرق الأوسط، حول ما الذي يدفع بالتوجه نحو هذه التوقعات (التحليلات) بأي مكان.
تعد التوقعات أو (التحليلات التنبؤية)، فئة من تحليل البيانات التي تهدف إلى وضع تصورات حول النتائج المستقبلية، بالاعتماد على البيانات المسبقة (التاريخية) وتقنيات التحليل، كالنمذجة الإحصائية والتعلم الآلي. ومن الممكن أن يخلق علم التحليلات التنبؤية تصورات مستقبلية عالية الدقة، وبمساعدة وسائل وأنماط التحليلات التنبؤية المتقدمة وباستخدام البيانات الحالية والسابقة، يمكن لأي مؤسسة في الشرق الأوسط حالياً، وضع توقعات موثوقة حول الاتجاهات والسلوكيات في غضون أجزاء من الثانية أو أيام أو سنوات في المستقبل.
وحسب التوقعات التي وضعها موقع (Market Reasearch.com) المتخصص في دراسات وأبحاث السوق، سينمو الطلب على البيانات الضخمة، واستقصاء المعلومات (الذكاء التجاري)، والتحليلات في منطقة الشرق الأوسط، من 5.09 مليار دولار عام 2015، إلى 12.38 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2020، وذلك بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يصل إلى 19.4 بالمائة.
ويبرهن التوجه الإقليمي حالياً بأن كلا القطاعين الحكومي والخاص يعتمدان على العديد من حلول وتقنيات تكنولوجيا المعلومات الناشئة، مثل الكم الهائل من المعلومات، واستقصاء المعلومات، والتوقعات لدعم تطورات البنية التحتية (الهياكل الأساسية)، وتحسين خدمات الرعاية الطبية، وإدارة الموارد الطبيعية المتاحة بكفاءة والتقليل من المخاطر والكوارث.
وقال مسؤول قسم مبيعات حلول تفاعل (مشاركة) العملاء في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وتركيا، في شركة التكنولوجيا الأمريكية- أفايا (Avaya) أحمد درة: “تلعب التحليلات دوراً رئيسياً في أي نوع من الأعمال التي تقوم بها المؤسسات”.
وأضاف، “كما تجعلهم قادرين على قياس أداء ما يفعلونه اليوم، وتحديد الجوانب المتعلقة بتحسين منتجاتهم، والخدمات، والموظفين، فضلاً عن معرفتهم (إدراكهم) لما سيطلبه زبائنهم منهم في المستقبل”. ومن الأمثلة على ذلك، عند إطلاق استراتيجية أو رؤية مستقبلية جديدة، وتساعد التحليلات المستقبلية الشركات على معرفة أسواقها وما يبحث زبائنها عنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال تحليل التعليقات التي يكتبونها أثناء تفاعلاتهم مع مراكز الاتصالات الهاتفية”.
من جانبه، قال مدير إنترنت الأشياء وحلول التكامل لدى شركة البرمجة (Software AG)، فراس جمعة: “أصبحت التحليلات كاملة النطاق (المرئي والتنبؤي والمباشر) مطلباً أساسياً، وأنّ السوق يشهد العديد من مطالب الزبائن في عام 2020″. وقال أيضاً: الرؤية الموحدة، والتصور والمراقبة الصناعية في الوقت الحقيقي، والرعاية الوقائية، والكشف عن الحالات الغريبة، جميعها أمثلة قليلة على حالات الاستخدام التي وصلتنا، تشير إلى الطلب المتزايد، ومستوى نضج الزبائن الذين يبحثون عن قدرات تحليلية متقدمة، من أجل الحفاظ على قدرتهم التنافسية في سوق صعبة متخمة للغاية”.
حالات مستفيدة:
وقال الدكتور محمد محمود حمدان، الأستاذ المشارك في علوم الحاسوب، في كلية الرياضيات وعلوم الحاسوب، جامعة (Heriot-Watt) دبي: “من وجهة نظر إقليمية: أسست بالفعل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، خططا شجاعة لتهيئ نفسها لتكون في صدارة (واجهة) الثورة الرقمية”. وأضاف، “اعترفت أغلبية دول مجلس التعاون الخليجي بأهمية البيانات الكبيرة لإطلاق جميع الفرص (الاحتمالات)، وحتى الآن، لا تزال بعض دول الخليج في مرحلة وضع الاستراتيجيات وتعمل على تطوير تطبيقات ملموسة”.
وأضاف حمدان، “يستخدم القطاع المالي في الشرق الأوسط تحليلات البيانات التنبؤية لتعزيز تقييم المخاطر وتوفير الإيرادات وبناء مشاريع جديدة من خلال إدراك أوضاع السوق. وهناك قطاعات أخرى مثل قطاعات النفط والغاز والسياحة والأدوية تتبع القطاع المصرفي، وتتحد مع استثمارات البيانات الكبيرة، سواء فيما يتعلق بإطلاق وزارة الطاقة في الإمارات العربية المتحدة، مشروع البيانات الكبيرة للنفط والغاز أو الاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز إنتاج الأنسولين (دراسة حالة مؤكّدة لشركة جلفار- شركة أدوية مقرها الإمارات العربية المتحدة)، فقد أصبحت البيانات لا يمكن الاستغناء عنها”.
ولفت حمدان إلى أنه في مجال تجارة التجزئة، قامت مجموعة “ماجد الفطيم” الإماراتية، والتي تعد مركز تسوق رائد للبيع بالتجزئة والترفيه في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، بنشر قدرات تحليلية متطورة، ما سيسمح لها جمع تصورات دقيقة (عميقة) حول المتسوقين ما سيسهم في دعم التجارب المخصصة التي تقدمها للعملاء.
وبحسب ما ذكره السيد درّة من شركة (أفايا)، “تشهد شركات سوق الشرق الأوسط استخدام التصورات (التنبؤات) بهدف توفير تجارب ذات طابع شخصي ومتطورة”. فيمكن أن نذكر مثالاً في مجال التوعية بالتسويق عن بعد (التسويق عبر الهاتف). في الفترة الماضية، عندما كانت تمتلك الشركات التجارية سلع أو خدمات جديدة لتقديمها لزبائنها، كانوا (عمالها) يتواصلون مع جميع الأفراد وحتى كل منهم على منفرداً، بهدف إيصال الرسائل التي يريدونها. أمّا في الوقت الحالي، فمن خلال التحليلات (التوقعات)، أصبح من السهولةً على شركات التجزئة تنظيم حملات أكثر دقة واستهدافاً للمتسوقين، ينتج عنها تحقيق معدلات نجاح عالية جداً، ناهيك عن تحسين استخدام الموارد بشكل أفضل”.
وأردف، “يعود ذلك إلى كون التصورات المستقبلية تسهم في تحديد الفرص المحتملة المحددة، عبر استيعاب سلوك الزبائن (العملاء) واهتماماتهم، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الشبكة العنكبوتية. وقال: “هذا يعني أنه في حالة إدارة الحملات الخارجية، يمكن أن تستهدف المؤسسات التجارية عملاء محددين يكونون على قدر من الاهتمام بما تعرضه هذه المؤسسات، وهم على استعداد لتلقي المعلومات حوله”.
من جهته، قال مدير ونائب الرئيس التنفيذي لدى شركة (Proven Consult) الإماراتية، أنس عبد الحي: “إنّ إحدى أهم وأكبر حالات الاستخدام الرائعة (العظيمة) في مجال التحليلات الحكومية، هو برنامج حساب المواطن في المملكة العربية السعودية، الذي أطلقته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في المملكة”، موضحاً كانت مبادرة وطنية أنشأتها المملكة العربية السعودية بهدف حماية الأسر من التأثيرات المباشر وغير المباشر والمتوقعة للإصلاحات الاقتصادية المختلفة عبر توفير التحويلات النقدية المودعة مباشرة في حسابات المواطنين المستفيدين بشكل شهري، ويقوم البرنامج بتحليل بيانات الأفراد المسجلين والبالغ عددهم 3.7 مليون في عام 2017 عندما تأسس البرنامج، بهدف تحديد المستحقات الشهرية لهم.
الصعوبات التي تواجه كبار موظفي المعلومات وفرق تكنولوجيا المعلومات
نظراً للسرعة والتغيرات السريعة التي تحصل في الشركات، يواجه كبار موظفي المعلومات وفرق تكنولوجيا المعلومات بشكل دائم صعوبة عن محاولة نشر التحليلات في بيئة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بمحال عملهم. وقال المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط لدى شركة (Pure Storage)، أسعد السعدي: “إنّ الاستفادة من قوة التحليلات قد تبدوا أمراً صعباً في بداية الأمر”، ويرى أنّ هناك ثلاثة تحديات رئيسية تواجه الشركات وتتمثل بـ: كمية البيانات الهائلة التي يتطلب تحليلها، انتشار الأدوات والتقنيات الهائلة والمعقدة ومخازن (مستودعات) البيانات، والأداء المنخفض”.
وأضاف، “كلما ازادت البيانات، تصبح الاستفادة منها أكثر تعقيداً، حيث تواجه الشركات تحديات خمسة صعب التغلب عليها وهي: الحجم والسرعة والتنوع والصدق والقيمة. وفيما يتعلق بالتنوع بشكل خاص، تحتاج الشركات التأكّد من مقدرتها على جمع البيانات المهيكلة (المنظمة) والأخرى غير المهيكلة، والاستفادة من قيمتها، فالبيانات المهيكلة تكون منظمة بشكل جيد، وسلسة التحليل عبر استخدام أدوات الأعمال التقليدية. وعلى عكس ذلك، فإن البيانات غير المهيكلة تكون هناك صعوبة في التعامل معها، مثل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك التغريدات أو منشورات فيسبوك يمكن أن تكون ذات قيمة استخباراتية ضخمة، ولكن، بالتحديد، من الصعب تحليلها”.
وقال السعدي: ولاعتبار أنّ البيانات غير المهيكلة تشكل نسبة 80 في المائة من البيانات على مستوى العالم، فإن أي مؤسسة جادة في رؤية البيانات الضخمة يجب أن تجد طرقاً للاستفادة من ذلك.
وأضاف، “يزيد حجم أدوات تحليل البيانات والتكنولوجيات المتاحة، عن حجم البيانات المتوفرة التي يتعين تحليلها، لذا من الصعوبة بمكان أنّ تنفذ المؤسسات هذا الكم الهائل من الأدوات ودمجه بجانب الأنظمة القديمة القائمة حالياً”، وبرأيه أنّ هذه المسألة مع وجود أنظمة التخزين القديمة ليست مناسبة لدعم التحليلات المتطورة، وتتضمن المشكلات العمومية (الشائعة) كل شيء بدءاً من الأداء المنخفض للبحث والفهرسة والاستعلامات المعقدة من حلول الصندوق الأبيض التي لم يتم تحسينها لتوفير السرعة أو الكفاءة إلى مسارات مرور البيانات المكلفة وغير الفاعلة التي تحد من الوصول إلى البيانات وإنشاء مخازن إحتياطية لها”.
وقال نائب الرئيس التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا الوسطى لدى شركة (Salesforce) الأمريكية، تيري نيكول: “عندما تقوم منظمات الشرق الأوسط بنشر تحليلات، لا ينبغي عليها أن تفعل ذلك كهدف، بل بالأحرى عليها أن تتكامل في خارطة طريق أوسع للتحول للأعمال الرقمية.
وأضاف، “رغم أن المدراء التنفيذيين على معرفة تامة بقدرات التحليلات، إلا أنه ينبغي عليهم أن يعملوا بالتوازي مع البائعين (الموردين) وشركاء التوزيع لفهم الطريقة التي تحقق فيها التحليلات، أهداف الشركات وتحديد الحلول البرمجية الملائمة وتطوير مؤشرات الأداء الأساسية التي يمكن مراجعتها بشكل ثابت. وقال أيضاً: “إن إعادة تأهيل العمال (صقل مهاراتهم) لأداء أدوار جديدة ومختلفة خلال وبعد الأوبئة يعد أولوية للعديد من للمؤسسات والموظفين في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط”.
منافع التحليلات:
بينما نشرت مؤسسات الشرق الأوسط تحليلات في أوساط تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها، يبقى السؤال: ما هي بعض المنافع هذه التحليلات، وكيف يمكن للمؤسسات نشر التكنولوجيا لتحقيق النجاح؟
في الإجاب على ذلك، قال مدير قسم المنتجات في شركة (Manage Engine)، راكيش جيبراكاش: “إلى جانب الفائدة الواضحة للتحليلات والتي تتجسد في تحقيق رؤية شاملة على مستوى المنظمة، في تساعد في اتخاذ القرار المدروسة”، موضحاً أنه في الحالة التقليدية، كان الاعتقاد السائد بأن التحليلات نسخة عظيمة (ممجدة) من التقارير التي اعتاد الأفراد على استخدامها، ولكن إتاحة خيارات مثل إجراء “سيناريوهات المحتملة، والتحليلات التنبؤية والقدرة على عرض المؤشرات المرتبطة بالأدوار، يميز التحليلات سواها.
وقبل اتخاذ القرارات التي تحتوي تغييرات على مستوى العملية الهادفة إلى زيادة الإنتاجية، يمكن لصانعي القرار إدخال المؤشرات في تطبيقات التحليلات، وتوقع النتائج ومقارنتها بالنتائج المرغوبة. وبالتالي يساعد هذا في معالجة المخاطر (العقبات) البسيطة في وقت مبكر قبل اتخاذ القرارات، ويمكن أن يوفر ذلك الكثير من ساعات عمل الموظفين. ويحتوي جمع البيانات من التطبيقات المستخدمة من قبل الإدارات المختلفة جانباً بشرياً وهو “إقناع رؤساء الأقسام بالسماح بالوصول إلى التطبيقات التي يستخدمونها لإدارة أنشطتهم اليومية”.
وأضاف جيبراكاش: “ينبغي على مديرو قسم المعلومات أن يلعبوا دوراً رائداً في مسألة إشراك الإدارات الفردية وجعلها يحققون الرؤية المتمثلة في إظهار دور المؤسسة التي يعملون بها على نطاق واسع عبر استخدام منصات التحليل.
ويتفق حمدان من جامعة (Heriot-Watt) دبي، مع جيبراكاش، وقال: يتزايد في بيئة الأعمال المعقدة اليوم، قبول وأهمية مجال تحليلات البيانات، ويلعب دوراً حاسماً كمدخل لصنع القرار للمديرين التنفيذيين، وخاصة ممن يديرون شركات ضخمة”.
تتجه المؤسسات حالياً إلى استخدام البيانات الكبيرة وكذلك التحليلات لمراقبة سلوكيات ومشاعر المستهلكين (العملاء)، وتعزيز ولائهم للشركة، والحصول على مزايا تنافسية واتخاذ قرارات تجارية أكثر فعالية (مؤثرة)، كما ويمكن لأي شركة استخدام البيانات لخلق تجربة تسوق مخصصة للزبائن، مما يدفع أي موقع على الشبكة العنكبوتية إلى تقديم اقتراح للمنتجات التي من المحتمل أن يشتريها العملاء (المتسوقون)”.
منذ عشرات السنين، ظل هؤلاء المسلحين (المدعمين) بدرجة ذكاء الأعمال، بإعداد من أدوات التحليل في الشرق الأوسط، قواعد البيانات المالية واللوجستية لتحديد فرص العمل الجديدة، ونقاط الضعف، واكتساب ميزة تنافسية. وفي الآونية الأخيرة، ومع إضافة التعلم الآلي لتحديد أنماط البيانات، يتبين أن التحليلات دقيقة إلى حد مخيف في التنبؤ بالنتائج في المستقبل.
في عصر التحليلات في أي مكان، يجب أن تكون هذه معلومات مرحب بها للشركات في المنطقة، خاصة عندما يتم يدعمها التعلم التلقائي (الآلي)، ستلعب المعلومات المنبثقة من التحليلات دوراً استراتيجياً بشكل متزايد في توجيه المؤسسات من الآن وصاعداً.