لطالما كانت الرؤية الوطنية 2030 للمملكة العربية السعودية دائماً بمثابة دليل توجيهي داخلي للتحول الرقمي، إلا أنّ حجم التدفقات الرأسمالية الكبيرة التي أصبحت لديها، كافية لتكون المملكة الدولة الرائدة على مستوى العالم، في مجال تقديم الخدمات الحكومية الرقمية.
جاء في مضمون دراسة جديدة أعدّتها مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب الاستشارية (Boston Consulting Group- BCG’s)، تحت عنوان: “الحكومة الرقمية الشخصية والاستباقية: تسريع مسار التحول في دول مجلس التعاون الخليجي“، إن تزايد اعتماد الخدمات الحكومية الرقمية الناشئة والآثار المترتبة عن توفيرها قد ساهم في الارتقاء بمكانة المملكة العربية السعودية عبر هذا المجال لتصبح في المرتبة السابعة عالمياً. مما يشير إلى أن الخدمات الحكومية الرقمية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لسكان المملكة. ويؤكد التقرير أيضاً، ارتفاع مستويات الرضا عن الخدمات الحكومية الرقمية في المملكة العربية السعودية.
أظهرت دراسة موطني الحكومة الرقمية ” BCG’s ” ارتفاع مستويات الرضا عن الخدمات الحكومية الرقمية في المملكة، مضاهية للتصنيفات العالمية في هذا المجال، بمعدل بلغ 75 بالمائة لعام 2022. من ناحية أخرى، شهدت الخدمات الرقمية المتوفرة في السعودية إقبالاً إيجابياً، حيث أظهر سكان المملكة انفتاحاً استثنائياً لناحية اعتماد هذه الخدمات بوتيرة متسارعة ومتزايدة. بالإجمال، صرح 68 بالمائة من المشاركين عن الاستفادة من الخدمات الحكومية الرقمية مرة واحدة على الأقل أسبوعياً، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 49 بالمائة فقط.
شهد العام 2022 ازدياد أهمية الخدمات التي تم توفيرها خلال جائحة كوفيد-19، بحيث أصبحت معياراً أساسياً لتقييم توقعات الزبائن، نتيجة سرعة انتشارها والتحديثات المتكررة للميزات الجديدة ووظائفها المتطورة. في الواقع، تجسد الخدمات الحكومية الرقمية الأكثر استعمالاً في دول مجلس التعاون الخليجي، واقع التحولات العالمية. حيث تحتل الخدمات المتعلقة بفيروس كورونا المرتبة الأولى على صعيدي المنطقة والعالم.
مستوى رضا العملاء على الخدمات الحكومية الرقمية في المملكة العربية يضاهي التصنيفات العالمية
نضوجاً متزايداً
ميغيل كاراسكو، خبير عالمي، مركز التحول الرقمي في بوسطن كونسلتينج جروب
وبشكل عام، تقدم دول مجلس التعاون الخليجي GCC، (بما في ذلك السعودية)، خدمات حكومية رقمية أكثر تطوراً، ما يسهم في تمكين الناس من تخليص المعاملات الأكثر تعقيداً – بما فيها التسجيل في مواقع التوظيف أو البحث عن وظيفة، والوصول إلى الخدمات ذات الصلة بفايروس كوفيد-19، ومعالجة طلبات الحصول على التأشيرات أو الإقامات أو تصاريح العمل – والتي تحتل جميعها مرتبة أعلى من حيث الاستخدام مقارنة بالمعدلات العالمية السائدة، حيث ما زالت الاستخدامات الرقمية تقتصر بشكل عام على المعاملات البسيطة، مثل الوصول إلى المعلومات الشائعة.
ويكتسب هذا المستوى من التكامل أهمية استثنائية على ضوء السقف المرتفع للتوقعات، حيث تتوقع الغالبية العظمى من سكان دول مجلس التعاون الخليجي الحصول على خدمات حكومية تنافس الخدمات التي تقدمها الشركات الخاصة العالمية أو الجهات الرائدة في مجال التحول الرقمي. وتشمل هذه التوقعات القدرة على ملء النماذج تلقائياً ببيانات العملاء المتاحة وتخصيص الخدمات أو التوصية بخدمات إضافية، وصولاً إلى أتمتة المهام المعقدة مثل إجراء حجوزات السفر أو الموافقة على القروض.
ومن الضرورة بمكان، أن تحرص الهيئات الحكومية، عند دخولها إلى المنظومة التقليدية للقطاع الخاص، على إيجاد نوع من التوازن بين الراحة التي توفرها هذه الخدمات ومخاوف المتعاملين ذات الصلة بشؤون الخصوصية.
تعد الحكومة الرقمية من العوامل الأساسية المساهمة في تحقيق أهداف خطة المملكة العربية السعودية الطويلة الأجل، لتوفير خدمات حكومية من المستوى العالمي، بما يتماشى مع رؤية المملكة لعام 2030. ويسلط التقرير الجديد المخصص لمواضيع الحكومة الرقمية الضوء على تقدم المملكة في هذا المجال. كما سيكون هناك التعرف على المزيد من الفرص والإمكانات الاستثنائية التي توفرها التقنيات الناشئة ومجالات القيادة التحويلية، وكذلك دور الحكومات في تبني هذه المفاهيم للاستثمار في نتائجها والاستفادة من المزايا التي توفرها.
رامي مرتضى، شريك ومدير عمليات التحول الرقمي في بوسطن كونسلتينج جروب
كما سلطت دراسة مواطني الحكومة الرقمية (DGCS) الضوء على مجموعة من النتائج الأخرى، حيث شملت المواطنين والمقيمين في 40 دولة، بالإضافة إلى 26 خدمة حكومية رقمية وحوالي 30,000 مشاركة فردية. وأدت نتائجها إلى تعزيز الوعي بأفضل الاتجاهات والممارسات ذات الصلة بالخدمات الحكومية الرقمية. وبشكل عام، يشعر سكان دول مجلس التعاون الخليجي بالرضا عن الخدمات الرقمية التي تقدمها الهيئات الحكومية، وعن المزايا التي توفرها لهم، ومنها بساطة اللغة والقدرة على استخدام منصات متعددة، بالإضافة إلى سهولة الوصول إلى المعلومات.
تتطلع السعودية لتكون ضمن أفضل 15 دولة في العالم لناحية مستويات التطور في مجال الذكاء الصناعي، بحلول عام 2030. وتهدف لتحقيق هذه الغاية عبر تدريب 20 ألف خبير في مجال البيانات والذكاء الصناعي، وإطلاق أكثر من 300 شركة ناشئة متخصصة بعمليات الذكاء الصناعي، بالإضافة إلى جذب استثمارات أجنبية بقيمة 20 مليار دولار بحلول عام 2030. ومن المؤكد أن على كل دولة من الدول اتباع نهج مناسب لرحلتها الرقمية، لا سيما على مستوى التخصيص والتنفيذ الاستباقي، بما يلبي احتياجات سكانها وتوقعاتهم، مع ضمان أعلى مستويات الموثوقية واحترام الواقع والظروف القائمة.
وعلى الرغم من تنامي أداء المملكة العربية السعودية عبر العديد من المؤشرات، إلا أنها ما زالت بحاجة لبذل المزيد من الجهود في عالم سريع الخطى يتميز بمستوى عال من التوقعات في مرحلة ما بعد الجائحة. وتمتلك المملكة الفرصة المثالية لتعزيز ريادتها وتطوير استراتيجياتها عبر تقديم الخدمات الشخصية والاستباقية. وبشكل عام، يجب على المملكة الاستمرار في تتبع الاحتياجات المتطورة للناس، مع الحرص على الابتكار والاستثمار في التكنولوجيا التي تحسن معدلات الكفاءة، وتعود بفوائد استثنائية على المجتمع، بالإضافة إلى الارتقاء بقيمة الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين.
التحويلات المالية
ماركوس ماسي، المدير الإداري والشريك الأول، لدى بنك (BCG)
وحقق القطاع التحويلات المالية (القطاع المصرفي) في المملكة العربية السعودية عام 2022، أرباح مرتفعة نتيجة المبادرة التي أطلقتها المملكة “رؤية 2030” الطموحة والتي تعد طفرة اقتصادية كانت قد شهدتها دول مجلس التعاون الخليجي. ويؤكد التقرير الصادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية، والذي جاء بعنوان: “القطاع المصرفي في المملكة العربية السعودية: مراجعة عام 2022 والمسار المستقبلي“، اعلى أنّ ارتفاع أسعار المشتقات النفطية (الطاقة)، والحد من التدابير التي اتخذتها الحكومات والمتعلقة بانتشار جائحة كوفيد- 19، وزيادة حجم العمل في القطاع السياحي الذي تراجع نتيجة الأحداث الكبرى على مستوى العالم، أدت إلى تسريع وتيرة الأنشطة الاقتصادية الفعالة بشكل فعال.
تنعكس فوائد الارتفاع في أسعار الطاقة على اقتصادات الدول الهيدروكربونية (النفطية)، حيث تبين في هذا الصدد، تقديرات صندوق النقد الدولي أن ارتفاع أسعار الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، سوف يحقق مكاسب كبيرة أكثر مما هو متوقع في السابق، وذلك بحجم قد يبلغ إلى 320 مليار دولار أمريكي، وهو ما يقارب من 1.4 تريليون دولار أمريكي خلال السنوات الخمس المقبلة في حال بقيت الظروف الاقتصادية العالمية الحالية على ما هو عليه. وسيتدفق جزأ كير من هذه الأموال، إلى دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تعتبر من بين أكبر الدول المصدرة للنفط على المستوى العالمي.
ووفقا لماركوس ماسي، المدير الإداري والشريك الأول، لدى بنك (BCG): فإن “القطاع المصرفي في المملكة العربية السعودية في وضع جيد يسمح له بالنمو في السنوات المقبلة”.
وإلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة وزيادة إيرادات النمو في القطاع السياحي، ستسهم مبادرة “رؤية 2030″ للمملكة العربية السعودية، في تحقيق إزدهار اقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، وتأتي المملكة العربية السعودية في طليعة هذا المسير”.
مارتن بليشتا، مدير لدى بنك (BCG)
بالإضافة إلى ذلك، تعجل المملكة العربية السعودية في الانتقال إلى التحول الرقمي باقتصادها وذلك تماشياً مع مبادرتها الطموحة “رؤية 2030”. ويدفع بذلك مجموعة من ومبادرات التطويرية والمشاريع الضخمة التي تعمل عليها، فضلاً عن الإصلاحات وخطط التنمية التي بدأت بالفعل في تطبيقها كسياسة التنويع الاقتصادي في المملكة العربية السعودية، وانفتاحها على العالم بطريقة غير مسبوقة. وانعكست هذه التطورات على أداء القطاع المصرفي في المملكة العربية السعودية، الذي تشهد مرحلة تحقيق أرباح لقيت ارتياح وترحيب كبير جداً.
وعلى الرغم من وجود صعوبات في المناخ الاقتصادي العالمي، إلّا أنّ مشكلة التضخم في اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي لم مشكلة كما هو الحال في دول أخرى. “استطاعت المملكة العربية السعودية بفضل الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط والتداعيات الأقل تأثيراً والناجمة عن الأحداث السياسية الإقليمية الآنية، إلى جانب جهود المملكة العربية السعودية في تطبيق سياسات “التنويع الاقتصادي” المحلية، من السيطرة التضخم، ما يشير إلى الإيجابيات التي سيتلقاها القطاع المصرفي في المستقبل.
يشهد القطاع المصرفي في المملكة العربية السعودية حالة نمو مستمرة في العام 2023، حيث تواصل المملكة العربية السعودية تنفيذ إستراتيجيتها لعام 2030 ولا يزال اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي قوياً.
ولمواجهة المنافسين الرقميين الجدد، يتعين على المصارف أن تفكر في الاستفادة من اتجاهات الإنفاق الاستهلاكي المتزايدة بهدف توسيع شراكاتها المحفظية. فعلى سبيل المثال، من خلال الشراكة مع شركات التجارة الإلكترونية وتجار التجزئة في الخدمات المصرفية للوكالات وحلول التمويل البالغ الصغر POS، يمكن للبنوك توسيع قاعدة عملائها، وأن تعمل أيضاً مع الشركاء من المؤسسات المالية غير المصرفية لتوسيع نطاق خيارات التمويل الأقل تكلفة لتكون المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم هي المستهدفة في عمليات التمويل.
توصية مجموعة بوسطن الاستشارية بشأن جدول الأعمال الرقمي الوطني:
الثقة والشفافية:
على الحكومات إثبات شفافيتها حول كيفية جمع البيانات وتخزينها والوصول إليها واستخدامها، بالإضافة إلى كيفية الإبلاغ عن الانتهاكات.
القيمة المتبادلة:
يوافق الزبائن عادة على استخدام بياناتهم مقابل الحصول على السلع والخدمات التي يفضلونها.
عدم استخدام البيانات لأغراض أخرى:
يجب استخدام البيانات للأغراض التي تم الاتفاق عليها. ويعتبر المتعاملون بأن استخدام البيانات لأغراض أخرى أو دمجها ببيانات أخرى تؤدي إلى توفير بيانات جديدة عنهم.
الحق في إلغاء الاشتراك:
يفضل المتعاملون الحصول ضمان حق سحب الموافقة على استخدام بياناتهم أو إلغاء اشتراكهم في الخدمات الرقمية. ومن الأهمية بمكان أن تتسم هذه العملية بالبساطة والتكامل.