يروي محمد عيسى الرئيس المالي السابق لأحد البنوك تجربته في حل أزمة تشتت الأنظمة البنكية حين عمل في مهمة استشارية لأحد البنوك التي تعرضت لخسائر حيث يكشف بالتفاصيل طرق النجاة من مثل هذه المصاعب المؤسسية
قبل بضع سنوات، عملت كمستشار مالي في مؤسسة مالية (بنك) تعمل في الشرق الأوسط حيث كنت جزءًا من فريق استشاري يقدم المساعدة في جهود إعادة هيكلة البنك بعد أن تعرض لخسائر تراكمية وتآكل كبير في رأس المال وضيق في التدفقات النقدية. وكان لي الحظ أنني تمكنت من تتبع أحد المصادر الرئيسية لمشاكل التشغيل في البنك في وقت مبكر إذ أتذكر أنني كنت في حديقتي أروي أشجار النخيل عندما تلقيت اتصالًا من رقم غير معروف و لكن المتصل لم يكن غريبًا.
كان الشقيق الأصغر لأحد أصدقائي الذي يعمل في قسم تكنولوجيا المعلومات في البنك وبعد تبادل التحية، سألني: “أنشيء حاليًا بريد إلكتروني باسمك هل ستنضم إلى بنكنا؟” أكدت أنني سأنضم إلى جهة عمله في مهمة استشارية قصيرة. في هذا الوقت، أغلقت صنبور الماء و طلبت منه أن يخبرني بالتفاصيل عما يجري في هذا البنك حتى أتمكن من بدأ تحقيقاتي في تلك المهمة الاستشارية فقال إن نظام ERP لدينا يسهم بشكل كبير في مشاكلنا التشغيلية و مجمل الأعمال.
بعد عدة أيام، قدمت تقريري إلى البنك. اكتشفت أن لديهم تجمعًا من الأنظمة حيث يستخدم قسم المالية وقسم الموارد البشرية وقسم خدمة العملاء نفس نظام ERP ولكن لم يكن أحد منهم يحب استخدامه، وعندما عمقت في الموضوع أكثر، تلقيت قائمة تضم أكثر من 400 خلل ومشكلة تم الإبلاغ عنها ولم يتم حلها من قبل مزود نظام ERP حيث كانت هي الشركة الوحيدة في العالم التي تمتلك الشفرات وأساسيات البرنامج ومن ثم كان البنك عرضة لتعسف مزود الخدمة هذا.
أبلغت مديري الشركة الأم للبنك أنه لا ينبغي التسامح مع هذ الأمر الذي يشكل مخاطرة غير مبررة تتعلق بمزود الخدمة ففي الواقع، ينبغي أن يكون لدى البنك نظام ERP يسمح بخدمته من قبل العديد من الموردين وليس مورد واحد فقط وذلك لتجنب أي مشكلات في المستقبل. على سبيل المثال، عندما كنت مدير المالية العامة لأحد البنوك في البحرين، كنا نستخدم Microsoft Dynamics كنظام ERP لدينا. وقد منحنا ذلك القدرة على تعيين وإقالة الموردين. قمنا بإنهاء عقود الموردين عندما لم يستطيعوا الإيفاء بتوقعاتنا.
عندما انضممت إلى هذا البنك، كان من بين مهامي الرئيسية الإشراف على تحديث نظام ERP الحالي وهو أمر لم يكن منطقيًا على الإطلاق إذا كان لديك مبنى مكونًا من طابقين وأراد العميل منك بناء طابقين إضافيين، هل ستقوم بالبناء على علم بأن الأساس غير متين؟ بالطبع لن تفعل ذلك. بعد إجراء المزيد من البحوث والتحليلات، نجحت في إقناع مديري الشركة الأم بأن أفضل طريقة ستكون استبدال نظام ERP الحالي بواحد أكثر تطورًا يتوافق مع تطلعات مجلس الإدارة المستقبلية.
وفيما استكشفت أكثر، اكتشفت أن قسم الإيرادات في البنك لا يستخدم نظام ERP الحالي لإصدار الفواتير أو متابعة حسابات المدينين. كل شيء يتم باستخدام برنامج Excel العملاق! إنها فوضى ولا تخضع للسيطرة وغير موثوقة. كما كان متوقعًا، يعتمد قسم المالية على هذه الملفات لتحديث ملفات نظام ERP. وقبل ذلك، يقومون بتنفيذ العديد من الفحوص اليدوية لاختبار دقة وسلامة البيانات وفي معظم الحالات، يقضون ليالًا طويلة لإنجاز هذه المهمة.
بعد عدة أسابيع، تلقيت تكليفًا آخر – الإشراف على تطوير أداة اتصال تربط نظام ERP بنظام إدارة المشاريع (PM) وكنت مندهشًا من وجود هذا النظام. مرة أخرى، تم تطويره بواسطة مورد آخر من الخارج لتلبية متطلبات البنك وعندما سألت عن قرار بناء هذا النظام، أخبرتني مصادري في البنك أنه تم لتلبية زيادة حجم المشاريع وتنفيذ IFRS 15 لإيرادات العقود مع العملاء. ومن ثم فإن هذا البنك يعاني من تشتت الأنظمة فهناك أنظمة صعبة الصيانة والاستخدام وعدم القدرة على التواكب مع متطلبات البنك.
بدأت رحلتي لبناء حجة لاستبدال كل من نظام ERP ونظام PMS والحصول على نظام ERP موحّد يلبي احتياجات البنك الحالية والمستقبلية. كان واضحًا في ذهني أنه يجب تطويره بواسطة شركة تطوير برمجيات رائدة وأعني الشركات التي تراها في مربع Gartner Quadrant بناءً على بحوثهم السوقية الشاملة. وللقيام بذلك، بدأت في إجراء استطلاع للمستخدمين. كان للاستطلاع سؤال واحد: هل توصي بنظام ERP الحالي للأصدقاء أو الشركات الأخرى؟ كان الجواب موحدًا: لا. في مجال خدمة العملاء، كان هذا تقييم NPS بصفر!
قمت بأنشطة أخرى لبناء الحجة. وقد بلغت ذروتها في عرض تقديمي لأحد أعضاء مجلس إدارة البنك الذي يقود حملة التحول. تضمن العرض الأقسام التالية: ملخص تنفيذي، ثم نبذة عن نظام ERP الحالي، وخارطة طريق للمستقبل ثم الاستثمارات المطلوبة وأخيرًا الملاحق ذات الصلة. كما اشتمل العرض على مجموعة من 15 سببًا لتغيير نظام ERP ومجموعة من المعايير المقترحة لاختيار أفضل أنظمة ERP المصنفة على الصعيد العالمي.
كانت مهمتي الاستشارية تقترب من نهايتها. لم أرغب في أن يذهب كل عملي هباءًا. لذلك، اقترحت على عضو مجلس الإدارة أنه من الأفضل أن يستعين البنك بشركة استشارية رائدة لمساعدته في وثائق متطلبات المستخدمين وتقييم نظام ERP واختياره وتنفيذه وسيكون هذا هو السيناريو الأمثل لأن هذه الشركات لديها خبرة في مثل هذه المشاريع ومن ثم ستوفر الوقت، وتحقق تحسينًا في التكاليف، وتساعد في عملية التخصيص، وتوفر الدعم المستمر.
في كتابه لعام 1999 “الأعمال بسرعة الفكرة”، يتناول بيل غيتس مواضيع مختلفة، بما في ذلك أهمية تحليل البيانات وفوائد الاتصال في الوقت الحقيقي وإمكانات الذكاء الاصطناعي. يجب على أي شركة أو بنك أن يأخذ بنصيحة غيتس فيما يتعلق بامتلاك أنظمة ERP المناسبة، خاصةً عندما نأخذ في الاعتبار أننا في عام 2023.
محمد عيسى هو متحدث بحريني حائز على جوائز، ومؤلف أفضل الكتب مبيعًا في أمازون، وكان رئيسًا ماليًا سابقًا في بنك استثماري مُدرج في البورصتين.